نظرات: من كُلّ شيء سببًا.

-النِعم التي لا تُحصى-

كنت أستمع إلى سورة سبأ، فاستوقفتني آيات منِّ الله على النبيين داوود وسليمان:

(وَلَقَدْ آتَيْنَا دَاوُودَ مِنَّا فَضْلًا يَا جِبَالُ أَوِّبِي مَعَهُ وَالطَّيْرَ وَأَلَنَّا لَهُ الْحَدِيدَ (10) أَنِ اعْمَلْ سَابِغَاتٍ وَقَدِّرْ فِي السَّرْدِ اعْمَلُوا صَالِحًا إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (11) وَلِسُلَيْمَانَ الرِّيحَ غُدُوُّهَا شَهْرٌ وَرَوَاحُهَا شَهْرٌ وَأَسَلْنَا لَهُ عَيْنَ الْقِطْر)[سبأ: 10-12]

 إذ ذكر الله تبارك وتعالى أولًا النعم من المعجزات ثم ذكر لداوود (وألنّا له الحديد) وذكر لسليمان (وأسلنا له عين القطر)

هاتان المادتان وهي الحديد والنحاس وما يُصنع منها منّ الله عليها على النبيين وما فيهما من نفع لهما وللبشر.

فتفكرت وقلت: إذا كان الله قد امتن بهذين العنصرين وتسخير أسبابهما، فكيف بنا في زماننا هذا ونحن في رفاه من هذه النعم؟ فالله سخّر لنا كثيرًا من المواد نصنع بها ونعمر بها وننتفع بها في معايشنا.  وأعظمها في زماننا الكهرباء!

وأنعم علينا بالعلم في مجالات كثيرة كالطب، بل إني لا أنفك أتفكر في أمرٍ اعتدناه وهو التحاليل؛ كيف لنقاط دمٍ أن تُعرّفك بمرضك، وما ينقصك بسرعة وبدقة؟ وكيف كانوا في الماضي ما عندهم مثل ما عندنا!

وأنعم علينا بالتقنية وما نتج منها من تسهيلات عظيمة ورفاهة على حياتنا.


ولننظر أيضًا إلى امتنان الله في القرآن بالسُفن، وهي في آيات كثيرة مثل:

 (اللَّهُ الَّذِي سَخَّرَ لَكُمُ الْبَحْرَ لِتَجْرِيَ الْفُلْكُ فِيهِ بِأَمْرِهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) [الجاثية:12]

(وَمِنْ آيَاتِهِ الْجَوَارِ فِي الْبَحْرِ كَالْأَعْلَامِ (32) إِن يَشَأْ يُسْكِنِ الرِّيحَ فَيَظْلَلْنَ رَوَاكِدَ عَلَىٰ ظَهْرِهِ ۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ لِّكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ) [الشورى: 32-33]

هذه السفن التي يُذكّرنا الله كثيرًا بنعمتها وأنها تسخير بأمره، ويختم بأنها آية للشاكرين، أو أنّ قليلًا هم الشاكرون؛ أقيسها على سائر تنقلاتنا اليوم، والطائرة أعظمها. فمن كان يظن يومًا أن تُقصر مسافات السفر الذي هو (قطعة من العذاب) فلا تبلغ المسافة بين القارات يومًا؟ وكان الانتقال قديمًا من مدينة إلى أخرى يأخذ أيامًا وليالٍ؟ كيف سخّر الله كُتل الحديد هذه لتصبح معجزة هندسية بأمره وتنقلنا في الجو آمنين! سبحانك اللهم.


وغير هذه التي ذكرت كثيرٌ! وإنها لآيات لمن تفكّر.

بل إننا من ترف هذه النعم اعتدناها وحسبناها مسلمات في الحياة لا تحتاج إلى طول تأمل ولا تفكير! فسبحان من قال إنّ أكثر الناس لا يشكرون.

 ثم قال سبحانه في تكملة المن على داوود وسليمان عليهما السلام: (اعْمَلُوا آلَ دَاوُودَ شُكْرًا ۚ وَقَلِيلٌ مِّنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ) [سبأ: 13]

انظر في قوله تعالى: اعملوا.  لم يقل اشكروا شكرًا باللسان -وإن كان ذلك من الشكر- لكننا نعلم هنا أنّه من شكر النعم عملُك بها الطاعات وتسخيرها فيما يُرضي الله، وأن تشكر بعملك كما تشكر بلسانك!

فاللهم اجعلنا شاكرين لأنعمك، وزدنا من فضلك، ولا تجعلنا ممن يألف النعم ويكفرها.

نشرة أمجاد بنت عودة
نشرة أمجاد بنت عودة

قلبٌ دهاق، عقلٌ لا يسكَن، روحٌ صُبغت بالرمادي. هُنا أفكّر وأدوّن.